رسخت كرة القدم مكانتها كجزء لا يتجزأ من الثقافة العالمية. ومع ذلك، تشير الأرقام والإحصائيات الحديثة إلى ظاهرة مقلقة بدأت في الظهور والتفاقم: تراجع تشجيع كرة القدم. هذه الظاهرة، وإن كانت صامتة في بعض الأحيان، تحمل في طياتها تداعيات خطيرة على مستقبل اللعبة، من الجوانب المالية والاقتصادية إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية.
ورغم أن قاعدة المشجعين العالمية تجاوزت 4 مليارات، إلا أن عدة مؤشرات حديثة تشير إلى تهدُّم الروابط التقليدية بين الجمهور والكرة .
تحليل الحضور الجماهيري في الدوري السعودي
تكشف البيانات الحديثة عن واقع معقد لظاهرة تراجع تشجيع كرة القدم في المنطقة العربية. ففي الدوري السعودي، وعلى الرغم من الاستثمارات الضخمة، شهد الموسم 2023-2024 حضوراً جماهيرياً بلغ 2,496,661 متفرجاً، بزيادة 11% عن الموسم السابق، إلا أن هذه الزيادة لا تخفي التحديات الأساسية.
المعدل الحالي للحضور في الدوري السعودي يبلغ حوالي 10,404 متفرجاً للمباراة الواحدة، وهو رقم متواضع مقارنة بالطاقة الاستيعابية للملاعب. هذا الواقع يعكس جوانب من تراجع تشجيع كرة القدم حتى في الدوريات التي تشهد استثمارات كبيرة.
مؤشرات تراجع تشجيع كرة القدم
1. الحضور الجماهيري في الدوريات الكبرى (تراجع واضح)
- الدوري الألماني (Bundesliga): شهد انخفاضاً تدريجياً منذ 2018‑19، من 43,358 مشجع/مباراة إلى 38,656 في موسم 2024‑25، أي تراجع بنحو 10.9% خلال سبع سنوات
- الدوري الإنجليزي الممتاز (Premier League): حافظ على معدل 39,500 تقريباً في 2021‑22، لكنه يعاني من تراجع الحماس بين الشباب، حيث يبدو التركيز على كبار السن .
- الدوري الأسترالي (A‑League Men) :سجّل متوسط حضور ارتفع طفيفاً من 10,035 (2023‑24) إلى 10,575 في 2024‑25، لكن لا يزال أقل من ذروته 2018‑19 (9,031 أنماط متفاوتة)
- دوري كرة القدم الأمريكي (MLS): يعد ضمن الأعلى عالمياً بمعدل 23,234 متفرج/مباراة في 2024، رغم أنه أقل من الدوريات الأوروبية الكبرى
- الدوري الإنجليزي النسائي (WSL): بعد القفزة الأولى، شهد الدوري النسائي في إنجلترا انخفاض حضور بنسبة 9% في موسم 2024–2025 بعد زيادة كبيرة سابقًا إثر نجاح منتخب السيدات، وذلك بسبب غياب البطولات الكبرى وفقدان عناصر الجذب الجماهيري مثل لاعبات بارزات أو تسويق قوي.
- دوريات الدرجة الثانية والثالثة:
متوسط الحضور في الدرجة الثانية الإنجليزية (EFL Championship) بلغ 22,057 في 2024–2025، بانخفاض طفيف بعد أن وصل 23,048 الموسم الماضي
فيما شهدت الدرجة التالية (League One) أيضًا تراجعًا من 10,613 إلى 10,040 متفرجًا، وهذا يعكس اتجاهًا عامًا نحو تراجع تشجيع كرة القدم حتى في الدوريات الأقل شهرة.
2- تراجع الاهتمام بين الجيل الصاعد (Gen Z وGen Alpha)
- فقط 23–38% من جيل Z وAlpha يعتبرون أنفسهم "مشجعين شغوفين"، بينما 27–42% من Z يرفضون متابعة الرياضة، مقارنة بـ 42% من الميليال .
- 40% من الشباب (16‑24 سنة) في أسواق كبرى أبدوا "لا اهتمام أو كره" لكرة القدم
- تفضيل مشاهدة الملخصات والفيديوهات القصيرة بدلاً من المباريات كاملة، بنسبة 70% لـ13‑37 عاماً .
3- انتشار بدائل الترفيه والرياضات الأخرى
- ارتفاع شعبية الرياضات الأمريكية (NFL، MLB، NBA)، التي توسّع جمهورها دولياً، مسحوبة من اهتمام كرة القدم
- صعود الرياضات الإلكترونية (eSports): جمهورها ارتفع من 443 مليون عام 2019 إلى تقدير 645 مليون بحلول 2020، مما يسرق حصة من جمهور الكورة
4- التذاكر والأسعار: عبء مالي يؤثر على الجمهور
- أسعار التذاكر ورسوم المواقف والضيافة ارتفعت بشكل جعل الحضور أصبح "ترفاً"، مما ساهم في تراجع تشجيع كرة القدم بين الفئات الشابة والأسر ذات الدخل المتوسط .
- مثال بارز: احتجاج جماهيري من أعضاء Premier League ضد "استغلال الولاء" عبر غلاء التذاكر والرعاية .
5- تراجع مشاهدة التلفزيون التقليدي
- انخفاض مشاهدة الدوريات الكبرى: شهدت بعض الدوريات الكبرى تراجعًا في متوسط المشاهدات التلفزيونية. على سبيل المثال، واجه الدوري الإنجليزي الممتاز (البريميرليج)، الذي يعتبر من أكثر الدوريات مشاهدة، انخفاضًا في متوسط المشاهدة الحية بنسبة 11% على أساس سنوي في النصف الأول من أحد المواسم السابقة، مما يعكس تراجع تشجيع كرة القدم بوجه عام.
- تحول الأجيال الشابة: تفضل الأجيال الشابة (الجيل Z والجيل الألفية الأصغر) محتوى أقصر وأكثر تفاعلية، مما يؤثر على مشاهدتهم للمباريات الكاملة. تشير بعض الدراسات إلى أن 19% فقط من المشجعين الأصغر سنًا يشاهدون المباراة بأكملها عند المتابعة من المنزل، وغالبًا ما يقومون بمهام أخرى في نفس الوقت.
موضوعات ذات صلة: هل تراجعت مكانة كرة القدم عالميًا
أسباب تراجع تشجيع كرة القدم.. تحليل رقمي شامل
رغم الشعبية التاريخية التي حظيت بها كرة القدم، إلا أن الظاهرة التي أصبحت واضحة في السنوات الأخيرة هي تراجع تشجيع كرة القدم على مستوى العالم. ولفهم هذا التراجع، علينا تحليل الأسباب التي ساهمت فيه بالأرقام والمعطيات الحديثة.
1- ارتفاع أسعار التذاكر والتكاليف المرتبطة
تُعد التكلفة من أبرز أسباب تراجع تشجيع كرة القدم:
- في إنجلترا، سعر تذكرة الدوري الإنجليزي الممتاز يصل في بعض الأندية إلى أكثر من 70 جنيهًا إسترلينيًا للمباراة الواحدة.
- دراسة صادرة عن "Football Supporters’ Association" أظهرت أن 68% من الجماهير يعتبرون الأسعار "مرتفعة جدًا".
- في ألمانيا، رغم أن الأسعار أقل، إلا أن تضخم تكاليف التنقل والمأكولات رفع متوسط التكلفة الإجمالية لحضور المباراة الواحدة إلى 45 يورو.
2- تغيّر نمط استهلاك الجمهور (خصوصاً الشباب)
أجيال جديدة من المشجعين لا يتفاعلون بنفس الطريقة التقليدية:
- تقرير لشركة Morning Consult أظهر أن 45% من جيل Z يفضلون مشاهدة ملخصات المباريات بدلًا من متابعتها كاملة.
- 38% فقط من أفراد الجيل الجديد يعتبرون أنفسهم "مشجعين لكرة القدم"، مقارنة بـ 55% من جيل الألفية.
- زمن المباراة (90 دقيقة) أصبح غير ملائم لجمهور اعتاد التفاعل مع محتوى لا يتجاوز الدقيقة.
3- فقدان العفوية بسبب التقنية (مثل VAR)
- تقنية الحكم المساعد بالفيديو (VAR) قلبت طبيعة المشاهدة:
- في استطلاع لجماهير الدوري الإنجليزي، 94% قالوا إن VAR "أضعف متعة المشاهدة".
- 40% من المشجعين صرحوا أنهم توقفوا عن الاحتفال الفوري بالأهداف خوفًا من إلغائها.
4- الترفيه الرقمي ومنافسة الرياضات الأخرى
تحوّلت عادات الترفيه نحو منصات أسرع وأكثر تنوعًا:
- عدد مستخدمي TikTok تجاوز 1.5 مليار مستخدم نشط شهريًا، وجيل Z يقضي عليه أكثر من 95 دقيقة يوميًا.
- الرياضات الإلكترونية (eSports) بات لها جمهور يتجاوز 650 مليون شخص عالميًا، أغلبهم من فئة 13–34 عامًا.
- دوري NBA وNFL بدأوا باكتساب جماهير جديدة خارج الولايات المتحدة، مما يقلص من حصة كرة القدم.
5- فقدان الهوية والانتماء
- عمليات شراء الأندية من قبل مستثمرين أجانب، مع إهمال ثقافة الجمهور المحلي، أدت إلى فقدان الشعور بالولاء والانتماء.
- دراسة من European Football Benchmark بينت أن 32% من الجماهير شعروا بأن "ناديهم لم يعد يمثلهم".
وجهة نظر مستقبلية حول تراجع تشجيع كرة القدم
1- من المتوقع أن يؤدي تراجع تشجيع كرة القدم إلى تحوّل جذري في شكل المباريات، حيث ستصبح التجربة الرقمية البديلة هي السائدة مقابل انخفاض الحضور الفعلي في الملاعب.
2- استمرار التراجع في اهتمام الأجيال الجديدة، خصوصًا الجيل Z وAlpha، قد يجبر الأندية على تطوير طرق جديدة للتفاعل، مثل استخدام تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) لبناء جمهور افتراضي أكثر انخراطًا.
3- في ظل ارتفاع تكاليف الحضور وتراجع المشاهدة التلفزيونية، ستضطر الدوريات لإعادة هيكلة نموذجها الربحي، بالاعتماد على الاشتراكات الرقمية والتجارب التفاعلية بدلاً من مبيعات التذاكر التقليدية.
4- قد نشهد خلال العقد القادم اندماج عدد من الأندية الصغيرة أو اختفائها، خاصة تلك التي لا تمتلك قاعدة جماهيرية رقمية قوية، نتيجة الآثار المالية المترتبة على تراجع تشجيع كرة القدم.
5- ستصبح العلامات التجارية الراعية أكثر انتقائية، وستركز على الأندية والدوريات التي تنجح في جذب التفاعل الرقمي والمجتمعي بدلاً من مجرد عدد الحضور في الملاعب.
6- إذا لم تتم معالجة ظاهرة تراجع تشجيع كرة القدم بجدية، فقد تتغير خريطة القوى الكروية عالميًا، وتنتقل الريادة إلى دوريات أكثر ابتكارًا في تسويق التفاعل مع الجمهور.
نصائح لمواجهة تراجع تشجيع كرة القدم
1- ضرورة تحسين تجربة حضور المباريات من خلال:
- خدمات تقنية مثل الإنترنت المجاني والتطبيقات التفاعلية.
- تنظيم أجواء مشوقة داخل الملاعب.
- إعادة النظر في أسعار التذاكر لتكون في متناول الشباب والعائلات.
2- إنتاج محتوى رقمي موجه لجمهور TikTok وInstagram، مثل:
- كواليس الأندية.
- فيديوهات قصيرة وممتعة.
لقطات "وراء الكاميرا" وتفاعل مباشر مع اللاعبين.
3- تعزيز مفهوم الهوية والانتماء المحلي من خلال روابط المشجعين وحملات التفاعل المباشر.
ماذا قال الخبراء عن تراجع تشجيع كرة القدم
1- تشارلي مارشال – رئيس رابطة الأندية الأوروبية (ECA)
- يرى أن جمهور كرة القدم اليوم يتغير، مع تغير أولوياتهم في الاشتراك والمتابعة، وأصبحت الولاء للنادي ليس محصورًا في دعم نادٍ واحد فقط بل قد يشمل متابعة عدة أندية .
- يؤكد أن فهم قيم الجمهور وملامحهم المستجدة هو مفتاح استدامة اللعبة العالمية.
2- أنجي بوستيكوغلو – مدرب توتنهام (نقلاً عن الغارديان)
- دافع عن المشجعين الأجانب الذين يُنتقدون بأنهم "مشجعين بلاستيكيين"، واعتبر أن عشقهم اللافت والتضحيات التي يقدمونها تمثل صورة حقيقية للحب لكرة القدم، رغم الثقافة المختلفة .
3- مايكل لويس – أستاذ التسويق الرياضي بجامعة إيموري
وجّه تحذيرًا بأن الـ Gen Z تقل لديهم العواطف تجاه الرياضة التقليدية، منوّهًا إلى أن "الخسارة جيل" يعني فقدان جمهور دائم و"نسيج ثقافي" رهين الاتفاق المبكر بالانتماء .
4- ريتش لوكر – أخصائي أبحاث رياضية
قال : إن جيل Z لن يعود في حال فشلوا ببناء علاقةٍ كافية باللعبة قبل عمر 18، موضحًا أنهم لن "يكتشفون" الرياضة لاحقًا كجمهور جديد
الأسئلة الشائعة
ما أكثر الفئات العمرية التي تبتعد عن تشجيع كرة القدم؟
الشباب بين 16-25 سنة هم الأكثر ابتعادًا بسبب تغير اهتماماتهم
هل تراجع تشجيع كرة القدم ظاهرة عالمية أم مقتصرة على مناطق معينة؟
نعم، تراجع تشجيع كرة القدم يظهر كظاهرة عالمية في أنماط المشاهدة والتفاعل، وإن كانت شدتها تختلف بين المناطق والدوريات.
هل يؤثر تراجع تشجيع كرة القدم على الرياضات الأخرى؟
قد يؤثر بالضرورة على شعبية الرياضات الأخرى، حيث تتنافس جميعها على نفس قاعدة الجماهير.
ما المقصود بجيل Gen Z
جيل Gen Z هو الفوج الديموغرافي المولود بين منتصف التسعينيات (حوالي 1997) وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (حوالي 2012)، ويتميز بكونه أول جيل نشأ في عالم رقمي بالكامل ومعتمد بشكل كبير على الإنترنت والتكنولوجيا.
في الختام.. لم يعد من الممكن تجاهل الواقع الجديد الذي تفرضه الأرقام: تراجع تشجيع كرة القدم أصبح ظاهرة عالمية تتطلب مواجهة سريعة ومبتكرة. ما بين تراجع الحضور، وتغير سلوك الجمهور، وتنامي البدائل الرقمية، يبقى التحدي الأكبر هو كيف نعيد لكرة القدم بريقها الذي جمع الشعوب على مرّ العقود.
إذا كنت صاحب نادٍ، مسوّقًا رياضيًا، أو حتى منشئ محتوى كروي، فإن الفرصة ما زالت أمامك لتصنع فرقًا حقيقيًا.
ابدأ الآن بإعادة ابتكار تجربتك الجماهيرية، وكن جزءًا من مستقبل كرة القدم الذكية. دعنا نساعدك بخطة تسويق رياضية مخصصة تعيد الحياة إلى جمهورك.